أولئك الذين يؤمنون أن بإستطاعتهم تغيير العالم هم بالفعل الذين ينجحون فى ذلك، و ريهام أحمد ذات الأربعة و عشرين عاما – و الحاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال – و التى نظرا لإيمانها بأهمية الخدمات المجتمعية، فقد عقدت العزم على إحداث التغيير فى حى المرج الشعبى الذى تقطنه. وبالعمل سويا مع فريق متخصص من المتطوعين لحصر المشكلات التى يعانى منها شباب و فتيات الحي، و بعد تحليل نتائج البحث توصل الفريق إلى أن هذه المشاكل بالإمكان مواجهتها و علاجها بنشر الوعى الثقافى بين الشباب. و لصدق إقتناعها بنتائج بحثها عن مدى أهمية الثقافة و الفنون و الموسيقى و القراءة و المعرفة كعامل أساسى فى حل مشاكل الشباب على المدى البعيد، أسست ريهام دكة* كنواة لمركز ثقافة يقدم خدمات مجانية لشباب المرج الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 30 عاما،.
دكة تأسست في البداية كنادى للكتاب و مكتبة بهدف نشر الوعي بين الشباب وطرح الأمل في قلوبهم وعقولهم ومساعدتهم على إكتشاف أنفسهم من خلال القراءة والمعرفة. و من داخل غرفة صغيرة مستأجرة إنطلقت دكة فى أكتوبر 2015 لتنشر شعاعها الثقافى فى جوانب الحى. و فى أقل من شهرين بعد إنطلاقها تطورت الفكرة لتشمل المزيد من الأنشطة مثل الموسيقى والفنون والحرف اليدوية. و نظرا لضيق المكان، إستأجرت ريهام شقة فى مطلع عام 2016 لإستيعاب الأعداد المتزايدة من زوار و مرتداى الدكة. ولكن التوسعات تطلبت منها المزيد من الاستثمارات المادية الخارجة عن طاقتها.
الضائقة المالية نتيجة التوسعات فى تجهيز المقر الجديد للدكة لم يحبط من عزيمة ريهام و لم يحيدها عن هدفها الذى طالما حلمت بتحقيقه لتجعل دكة منارة ثقافية في حي المرج. والدتها التى كانت أول من شجعها لتنفذ حلمها منذ ان كان لايزال فكرة، لم تتخلى عنها فى ضائقتها المالية، بل قدمت لها ما فى وسعها من مساعدة مالية. كذلك إستعانت ريهام أيضا بصديقتها رحمة محسن، التى تصغرها بخمسة سنوات و التى إهتمامها بالقراءة و الكتابة و إيمانها بأهمية العلم و المعرفة حفزها لتأييد الفكرة، ولتصبح رحمة من أكبر الداعمين للدكة ماديا و معنويا. رحمة التى لاتزال تدرس فى الصف الاول الجامعى تتقاسم العمل مع ريهام على قدر ما يسمح به وقتها و جدولها الدراسى. أما عن ريهام و نظرا لتفرغها للمشروع و لانها الاكثر خبرة، فإنها تتحمل الجانب الأكبر من العمل، و يقع على عاتقها إدارة المكان بمساعدة مجموعة من المتطوعين من الشباب و الفتيات، عندما يسنح لهم جدولهم الدراسى. تقوم ريهام بتنظيم الندوات الثقافية و الموسيقية و دورات تعليم الرسم و حفلات توقيع الكتب و التواصل مع الكتاب و المتحدثين، وهى تعكف حاليا على وضع الخطة لبرامج الأنشطة الصيفية للأطفال.
و بعد ستة اشهر من انطلاقة دكة فى أكتوبر 2015، تنوعت الأصداء حولها. في حين أن العديد من سكان الحى مبتهجين من المشروع وينظرون اليه كبريق أمل، إلا ان البعض لايزال يراقبوه بحذر و توجس. و بالرغم من الجهود المبذولة و الأعداد المتزايدة المترددة على المكان، إلا أن ريهام تعترف بأنهم يواجهون بعض الصعوبة فى نشر الفكرة وتسويقها بيت قطاع عريض من الشباب. و بسؤالها عن الأسباب، أجابت:
“هناك صعوبة فى جذب شرائح معينة من الشباب الذى تعود على مراودة مراكز أخرى تقدم نفس الخدمات خارج نطاق سكنه الجغرافى، لأنه غير معتاد على موجود أماكن تقدم الخدمات الثقافية فى منطقته و خاصة ان كان من ساكنى المناطق الشعبية. فطبيعة الشباب فى مثل منطقتنا أنه يثق بالأماكن الأخرى. الشعبيين يقولون الشيخ البعيد سره باتع، أى بمعنى أدق يحتاج (الشباب) تجربة ما نقدمه كي يثق بدكة كمكان ثقافيا له ، و حاليا نقوم بعمل خطة عمل تشمل ندوات أدبية، جلسات موسيقية، قعدات حكي تراثية، نادي كتاب، نادي سينما، دعوة شخصيات مرموقة تحكي عن تجاربها. حاليا، ان جميع الزائرين من الأصدقاء ولكنهم يجلبون معهم دائما أشخاص جديدة على المكان، وهكذا يتم نشر الفكرة.”
وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها ريهام، الا أنها تحث الفتيات بألا تتخلى عن أحلامهن أبدا. و فى رسالة وجههتا للفتيات قالت: “السماح لحلمك أن يموت أمام عينيك هو جريمة تقترفيها ضد نفسك. لا تقتلى أحلامك أبدا، بل أعملى جاهدة على تحقيقها.”
وعندما سئلت عن أحلامها، أجابت: “أريد دكة أن تصبح مكتبة كبيرة ومنارة للتنوير والمعرفة في الحى والمناطق المحيطة به. دكة هى تجربة ثرية و مغامرة ممتعة و مفيدة بكل المقاييس. فأنا أستفيد من دكة أيضا. فمن خلال الأنشطة التي تقدم فيها ، أتعرف على مختلف أنواع الفنون و الثقافة ، والموسيقى، والأهم من كل هذا هو أنى أجد الفرصة لقراءة المزيد من الكتب و أتواصل مع كاتبيها و أقابل العديد من الشخصيات الملهمة التى أستفيد من خبراتها. إن نشر الوعي والأمل، وتبادل المعرفة لإثراء الآخرين هو ما أؤمن به حقا ، وهو ما أطمح القيام به “.
وتأمل ريهام أن تنمو دكة لتحقق الأهداف التى أنشئت من أجلها، و هى تطمح أيضا مع نموها أن تتوسع مكتبتها و التى تضم الى الآن عدد محدود من الكتب للإستعمال داخل المبني. تعتمد مكتبة دكة بشكل كبير على التبرعات من الكتب الجديدة والمستعملة. وعندما تتسع المكتبة و يزيد عدد كتبها، سيسمح للشباب بإستعارة الكتب خارجيا. وبالإضافة الى إحتياج دكة الى تبرعات الكتب، فإن فريق العمل يدعو الشخصيات المرموقة والناجحة فى مجال أعمالها لزيارة المكان و لقاء مرتادى دكة من الشباب لتنقل لهم خبراتها و معرفتها و الذين هم فى امس الحاجة الى الإلهام و التحفيز.
للتبرع بالكتب لدكة برجاء الاتصال برقم تليفون 01141913922 و سيصلك مندوب لاستلامهم
*دكة ليست لها اى انتماءات او توجهات سياسية